أضواءٌ على خطبة الجمعة :
خطبة الجمعة اليوم الموافق الثَامِنُ والعشرُون من أكتوبر2022بمسجد جماعة دعوة الحقِ الإسلامية برأس البر:اعتلى المنبرالشيْخُ/عادل الشامي،بارك الله فيه،وعنوان الخطبة(دروس ٌ وعِبَرٌمنْ هِجرةِ خيْرِ البشرِ):
مُقدمة:قال الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُون}102من سورة آلِ عمران .
دروس وعِبَر مِن هجرة خير البَشَر:
عندما استعْصَتْ مكَّةُ على الدعوة الإسلاميَّة،وغَدَتْ أرضًا جَدْبَاء،طلب الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم النُّصْرةَ خارجَها،فولَّى وجهَه الكريمَ تلقاءَ مدينة الطائف،لكنَّ ثقيفًا أساءتْ استقبالَه، وأخرجتْه إخراجًا سيِّئًا قبيحًا،فاختار له ربُّه عزَّ وجلَّ بَعْدَ سنواتٍ قليلةٍ مكانًا مُلائمًا، يحتضِن الرِّسالةَ ونبيَّها وأبناءَها،هو يثربُ،فكانتِ الهجرة إليها .
إنَّ الهجرة النبويَّة نَقَلَتْ رسالةَ الإسلام مِن طَوْرالدعوة الفردية إلى طورالدعوة تحتَ ظلال الدولة ففُتحتْ لدِين الله تعالى آفاقٌ أرحبُ في الأرض،وفي النفوس،والعِبَرُ المستقاة مِن هذا الحَدَث التاريخي العظيم لا تُحْصى كثرةً،وكلها معالِم تربويةٌ رفيعةُ المستوى للفَرْد والجماعة . نقِف عند بعضها:
- يَثْرِبُ هي المدينة: فإنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أطلَق على يثرب اسمَ المدينة،وهو اسمٌ بسيط في مبناه،عظيم في معناه؛إذ يُوحي بنقْل العرب مِن البداوة والحياة الساذَجة إلى آفاق المدنيَّة الراقية التي تَجْمع بين الربَّانيَّة والإنسانية،وتَربَّى فيها جيلٌ ربَّانيٌّ فريد،حوَّل العرب مِن رُعاةٍغنم ،إلى قادة للأُمَم،ولولا أنوارُالمدينة لبَقُوا في باديتهم يَحْيَون فيها ويموتون نكراتٍ،لا يأبَه بهم أحد .
- تضحية وإيثار: يُشكِّل المهاجرون والأنصار طرَفي حَدَث الهِجرة، وقد خصَّهم الله تعالى بميزتَيْن اكْتَمَل بهما الحَدَث،ولو تخلَّفتْ واحدة منهما لما اكتمل .
أمَّا القادِمون من مَكَّةَ المكرَّمة، فقد حقَّقوا التضحية في واقعهم، فخاطروا بأنفسهم، وتركوا بيوتَهم وأموالهم؛ ليستوليَ عليها المشركون، وقدِموا المدينة المنوَّرة مُطارَدين، فقراء معدمين، إلَّا مِن إخلاص وصِدْق لا تشوبه شائبة، شهد لهم به ربهم؛﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ الحشر: 8
وصَلُوا دارَ الهجرة واستوطَنوها متعفِّفِين،لا يسألون الناس إلحافًا،فقام إلى نَجْدتهم الأنصارُ الأخيار، تعلُوهم ميزةُ الإيثا والكرَم،وحسْن الضيافة، ولكن قبْلَها سجَّل القرآن الكريم لهم صِدْق النية والمشاعر نحوَ إخوانهم المهاجرين،فقد شَرَعوا لهم قلوبَهم،وفتحوا لهم صدورَهم قبلَ أن يُقاسِموهم البيوت والأموال؛﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾الحشر: 9
نال المهاجرون شهادةَ الصِّدْق، ونال الأنصارُ شهادة الفلاح: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ الفتح: 28
- الخطوات الأولى في المدينة: بمجرَّد وصوله إلى قاعدة الإسلام الجديدة، قام صلَّى الله عليه وسلَّم بأربعة أعمال،يمتزج فيها الدُّنيوي بالأخروي،تُؤَسِّس لمرحلة التطهُّر والحياة الكريمة،والعدل والحرية والمساواة:
أولًا: بناء المسجد ليؤدِّيَ دَورًا محوريًّا في حياة الجماعة المسلِمة،يجمع بين معاني العبادة،والتلاقي والإخاء والتربية والسموِّ الروحي،والاجتماع الواقي من التفرُّق المذموم .
ثانيًا: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛لتكونَ تجرِبةً إيمانيَّة فريدة من نَوْعها في تاريخ البشرية تجمع بين شخصَين: أحدهما مَكِّيّ،والآخر مَدنيّ، وتصهرهما فيُصبحان كأنَّهما خرجَا مِن صُلْب رجل واحد، يتقاسمان الممتلكاتِ، ويتوارثان عندَ الموت .
ثالثًا: فتْح سوقٍ للمسلمين لكَسْر احتكار اليهود للتجارة،وبعْث رُوح التنافس الاقتصادي،وإبراز التميُّزالإسلامي لجَلْب السلع وتداولهاعلى قواعدَ جديدة،يترافق فيها النشاطُ التجاري بالخُلُق الرفيع .
رابعًا: إبرام الوثيقة التي تنظِّم علاقة المسلمين باليهود في الدولة الناشئة،فتُبيِّن الحقوقَ والواجبات وتُرْسي معالِمَ التعايُش،وتَمْنَع مِن الحَيْف والاعتداء .
وهذه باختصارٍ: مناهجُ الهجرةِ النبوية المُشرفَة :
وجوب التوكل على الله واليقين بأقداره :
إنَّ التَّوكل على الله واليقين به قد جعل الهجرة النَّبويَّة رحلةً مُمكنةً،مع أنَّها بموازين البشر تُعدُّ رحلةً مستحيلةً لما فيها من مخاطر متعدِّدة منها الطَّريق المجهولة وكثرة العدو، وقلَّة الزَّاد، وقد اتَّخذ عليه الصلاة والسلام مجموعةً من القرارات التي لا يعلم عاقبتها،إلَّا أنَّه اتَّخذها مُتوكلاً على الله تعالى وقد ظهرَ هذا التَّوكل واليقين بعدَّةِ مواقفَ منها:الإذن بالهجرة الأولى إلى الحبشة فقد أذن للصَّحابة أن يهاجروا إلى الحبشة، مع أنَّها بلادٌ بعيدةٌ وغريبةٌ،وأهلها مخالفون بالدِّين،إلَّا أنَّه أذن بالهجرة إليها متوكلاً على الله تعالى وموقناً بالفرج والنصر، فقال للصحابة رضوان الله عليهم(إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا).
حسن التخطيط من خصالٍ المؤمن القوي :
هاجر إلى المدينة من طريقٍ جديدةٍ وكان مُطارداً لعدَّة أيامٍ، والخطر يُحيط به من كثرة الأعداء والباحثين عنه طمعاً بمكافأة قريش،وصحب ذلك قلَّةٌ في الطَّعام،وعلى الرَّغم من وجود كل هذه المشاق والعقبات لم ْيتراجعْ عليه الصلاة والسلام ومضى في هجرته مُتوكلاً على ربِّه ومُستعيناً به. حسن التخطيط من خصال المؤمن القوي يُلاحظ في هجرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ موضوع الهجرة لم ْيكنْ قراراً اتّخذه النَّبيُّ صلى الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق