تأخرت//الكاتبة إكرام التميمي

 تأخرت .. 

ها هي تقف على حافة الاشواق .. ترسل قبلاتها الحارة لوحيدها .. تغدق عليه بدعوات الرضا .. تبتهل رافعة يديها لله تعالى :

ان يفك كربته ،ويزيح عنه الهم الرابض على جنبات صدره .. 

ربي يوفقك يا بني ..

ربي يسر امرك ويوقفلك اولاد الحلال .. 

تنهدت وكانها تطرد الحسرة من اعماق صدرها .. سقطت دمعة حرى على وجنتها .. نظرت في وجهه ..مسحت الاتربه عن صورته بكفوف يديها .. واعادت تقبيلها ..والدموع تنهمر وتسقط تباعا على الصورة وهي تمسحها كذلك مرة بيدها واخرى بطرف وشاحها الذي ترتديه . 

خاطبت الصورة لقد تاخرت يا والدي .. !! 

ووهن العظم مني .. وانا انتظر .. !!

لكن لا بأس .. 

لا عليك يا ولدي .. 

سيفك الله اسرك عما قريب .. 

وتعود الي بعد غياب طويل .. 

بعد ايام كان الافراج .. خرج من معتقله .. اسرع خطاه إلى بيته مشتاقا لضمها .. 

اخيراً ستراه وسيعوضها تعب السنين .. 

وسنوات الانتظار . 

اعدت العدة لاستقباله .. 

زينت المداخل والحارة التي تقطنها . 

حانت ساعة اللقاء .. 

استقبلته بالاحضان والزغاريد ، احتفل به الحي كالابطال العائدين منتصرين من المعارك .. قبّل رأسها وقدميها قائلا : ساعوضكم يا امي سنوات الهجر والحرمان . 

قالت له: لا اريد شيئا من الحياة سوى قربك يا ولدي . 

الحمد لله انك عدت اخيرا .. 

خشيت ان تتاخر علي كثيرا واموت قبل ضمك الي صدري وشم عطرك . 

قال لها : ها قد عدت زلغطي وافرحي يا امي .. ولت ليالي الهجر .. 

لكن القدر فاجأهم.. فقد كانت يد حاقدة .. لهم بالمرصاد .. رصاصة طائشة .. تصيب صدره المسكين .. تحصد انتظار السنين .. في ثواني كان الفرح والتهليل ينقلب الى الصراخ والعويل .. 

وتحول العرس الوطني الكبير .. الى عرس الشهيد .. 

بقلم اكرام التميمي .