نبض نخلة: الرسالة//الكاتب محمد سليماني

الخميس، 5 أكتوبر 2023

الرسالة//الكاتب محمد سليماني

 الرسالة


على دكّة الانتظار لاحت أساريره الباشّة... خطواته ثابتة متناغمة...يحمل حقيبة سوداء وفي عينيه مناشير مودّة وترانيم عشق وخيبة تبدو جاثمة اقترب بتؤدة... محطّة القطار تبدو فارغة...إلا قليل ممن اعتركهم الزمن...وأبكتهم أوعارها...نسيم يتسلّل حثيثا يغازل الوجنة الغائمة...بدت طاقيته قديمة ونعله متهالكا...انبعث صوت القطار مرعبا...يتقدّم مماطلا...يهادن المسافرين يستلذّ أنتظاراتهم...

كان البرهة سافرة...تأملت الوافد بسرعة ...ارتسمت في أغوارها تفاصيله الشاحبة...وفتوّته الظاهرة رغم خيوط الحزن البادية...دعجها بنظرة متوسّلة فاترة...وارتمى على كرسي عتيق متورّم الحاشية... حواشيه متآكلة يحمل في لواعجه أصوات تحشرج لاهثة...وفجأة وقف مفزوعا كمن وخزته الصدمة ووخطته بإدبارها...سحب من جيبه ورقة وخطّ على ظهرها خطوط شاردة...كلمتين في ربقة اللحظة تبدو ثقيلة في همساتها...رماها سريعا بدى محتشما...محطّم البنيان متردّدا...حمامة بيضاء تقبع على ساعده مستعدّة رائقة...لثمت خدّها بوشوشات غامضة...بادلها نظرة متبادلة...صعد القطار متلهّفا..وأوعز للحمامة باستعجال المرحلة...نثرت بأجنحتها الباسقة ورقة مختومة ...وحطّت متهادية على قبّعة الفتاة الجالسة...وابتعدت سريعا تراود الأماسي الثائرة...ترى ما فحوى رسالته الغامضة وكيف تسكن المودة بين القلوب المتردّدة الخائفة...قالت في سرّها متسائلة ثمّ وقفت متثاقلة تأخذ مكانها في القطار المعاكس...الذي يسير عكس التيارات المتلاطمة...وجيف قلبها دقاته ضاجّة متلاحقة...ترى ما فحواها ...ورقة مطويّة ناعمة..معطّرة برحيق المصادفة الزكية الشادية...عجلات القطار بدكّاتها المزعجة تحرّك أطوارها...ولكن أين المطوّية الفاتنة بعطرها الأخّاذ وأسرارها الغائمة...لقد سقطت على الأرضية الفسيحة الشاسعة...ومن فرط توتّرها ضاعت في المدرّجات الغليظة حذو ممر السكك الحديدية المتهادية..ابتلعتها الصدمة وارتطم رأسها بمقدّمة الكرسي متهالكة...يا للخيبة لقد ضاعت الأمنية وانفرطت حبّاتها متلاحقة...أي غضاضة ومسألة ...أي هزيمة تترى تتبع الأخرى...

ضاع نحيبها في ضجيج المحرّكات وأتون الصفارات الملعلعة...وارتسمت في المدى حسرة...تعقبها حسرة...ترى ما سر الفتى..وسرّ الرسالة المعطّرة.


الكاتب

محمد سليماني.

5/10/2023‪



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقبرة الحب //الكاتبة بسمة محمد نمر الصالحي

 مقبرة الحب  دفنت أحزاني في تلك المقبرة  كفنتها بيدي وبكيت كثيرة  حيث سقية تراب أرضي من دموعي  رممت ذكرياتي لأعيش معها لو للحظات  حاولت أن أ...