نبض نخلة: الخذلان//الكاتب طارق الصبيح الخالدي

الثلاثاء، 20 فبراير 2024

الخذلان//الكاتب طارق الصبيح الخالدي

 الخذلان 


من منا لم يتجرع مرارة الخِذلان في كأس مكسورة الحواف؟ من منا لم تُهده أناملُ الحياة خيبة موجعة؟ الكلّ قد أخذ نصيبهُ من هذا وذاك، ولكن بنسب مُتفاوتة… وإن لم تكن قد وقعت في شرك غصّة هذا الشُّعور، فأسأل الله أن يجنّبك ومن تحب ذلك لما قد يخلّفه من وجع خُصّبَ بنطفة من خِذلان في خلايا الذّاكرة، إنّ الخِذلان في وقعِه على النّفس أقسى من أيّ شيء آخر، لأنّه نابع من مدى محبتِنَا وثقَتنا بالطّرفِ الآخر، فكلّما كان الشّخص قريبا كلّما كان الألم والخيبة أكبر، وكلّما كان وقعُه على النّفس أعظم، حين تأمل وترتجي منهم فيصفعونك بخيبة تلو الخيبة، حين تتعاملُ معهم بكلّ حب، وتعيش معهم بصدق، تشاركهم أحزانك وأفراحك، ونفس الشيّء تفعل إن تعلّق الأمر بهم، تتشاركون التّفاصيل الصغيرة كأوّل خطوة لك في الحياة، أول حرف، أوّل دمعة وأوّل نجاح… والذّكريات حلوها ومرّها. 

وفي أوّل اختبار تنتهي كل تلك العلاقة، فيظهر لك زيفُها، وترتطمُ أنت بالواقع، واقع مرير كان صوب عينيك منذ البداية لكنّك كُنت غافلا فقرّرت بذلك أن لا تبصره.

كان خذلانهم كفيلا بأن يُخبرك أنّ كل اللحظات الجميلة التي جمعتك بهم ماهي إلاّ فقاعات صابون رغم أنك تشبثت بها بكلتا يديك وبكل قوة إلا أنها تطايرت إلى أماكن لا يحقّ لك الوصُول لها، أو أنّها تلاشت قبل وصُولك، أو مرت رياح الدنيا وسرقتها وربما وصَلت إلى مكان أبعد من أن تصل إليه معهم، علاقة بتاريخ انتهاء الصلاحيّة! خِذلان قد أحرق مِساحات قلبك البيضاء وانتهى، فصَارت رمادا لا يُكتب ولا يُشكى، بل هو في مواسِم الذّكريات يُبكى. أتعلمُ شيئا يا صديقي إنّنا وبالرّغم من كلّ الألم الذي عشناه، إلاّ أنّنا لا نتوقّفُ عن منحِ أولئك الذين خذلونا ذات حزن أو ذات فرح فرصا جديدة، وهم بدورهم لا يتوقّفون عن خذلنا، لكن بعد كلّ خِذلان يتملّصُ القلبُ منهم شيئا فشيئا إلى أن يصبحوا غرباء كما لم يكونوا يوما.


الكاتب

طارق الصبيح الخالدي.

20/2/2024‪



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يا رفيق الدرب//الكاتبة نهلة السمان

 يا رفيق الدرب  يا رفيق الدرب الشائك الطويل كم مررنا على محطات العمر حتى بتنا نخاف لو لم نمر كم سحبنا وراءنا ذيول الخيبة  حتى صرنا نتوقع أي ...