هذا اختياري
أثناء تصفحي لمقتطفات اقتبستها من بين الصفحات الأدبية، توقفت عند كلمات غسان كنفاني البديعة:
"أحيانًا يحسبُ المرء أن قصّة ما انتهت، فإذا بها تبدأ."
فأثارت في نفسي تساؤلًا عميقًا: هل حقًا هناك بدايات جديدة تنسينا ما مررنا به؟ أم أن الأدباء والشعراء يعيشون في عالمٍ موازٍ لا نصل إليه؟ وإن كانت لكل نهاية بداية، فهل تلك البدايات قادرة على تضميد جراحنا؟ أم أنها مجرد غلاف جديد لكتابٍ قديم، تظل ندوبه محفورة في أعماقنا، تذكرنا بكل خيبة وخذلان ظننا يومًا أنهما سيُمحَيان؟.
فها أنا التي أعطت بلا حساب، وثقت وضحّت وتحملت. كنت أقول لنفسي: "هذا اختياري." لكن، هل كان اختياري فعلًا؟
أم أن الحب الذي ملأ قلبي كان أقوى من المنطق؟ أم أني أحببته حبًا يفوق حب قيس لليلى، حبًا أعماني عن حقيقةٍ لم أرها إلا متأخرًا.
يا ليتني أدركت مبكرًا ما يقوله العاشقون، وما وعيت دروس القلوب المكسورة. يا ليتني لم أسلم نفسي لهوى أعمى، ولم أصدق وعودًا كاذبة نسجها من حلمٍ زائف. ذاك الحلم الذي تهاوى تحت وطأة أنانية رجل لم يكن يومًا رجلًا بحق، بل كان صورة زائفة، قناعًا يخفي وراءه وجهًا لا يعرف الوفاء.
فكيف لرجلٍ كهذا أن يقطف زهرة بستاني، أن يعبث بآمالي، ثم يرحل دون اكتراث؟ تبا لكل أناني يتنصل من وعوده، وتبا لكل من خدع قلبًا صادقًا. ويا لتعاسة امرأة كُتب لها أن تعيش في ظل رجلٍ لا يستحق حتى أن يُصنف مع الرجال.
لكن، رغم كل شيء، أدركت أن البدايات الجديدة ليست دائمًا ما ننتظره من الآخرين. أحيانًا، تكون البداية الحقيقية هي تلك التي نصنعها لأنفسنا، عندما نقرر أن ننهض من رماد الحزن، أن نغلق أبواب الماضي، ونمضي بثقة نحو حياةٍ تستحقنا كما نحن.
وها أنا، أكتب هذا النص، لا لأحكي عن ألمٍ كان، بل لأعلن بداية جديدة، أنا من صنعتها، أنا من اخترتها.
الكاتب
محمود أبوزيد باشا.
11/5/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق