عنوان الخُطبة:
(إصلاحُ ذاتِ البيْنِ، وفضْلُه)
مُقدمةٌ: استهَّل َالشيخُ الكريمُ خطبته بالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسلينﷺ أمابعد:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وعلى آله وأصحابه أئمة الهُدى ومصابيح الدُجى ومن تبعهم واقتفَى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، وقال تَعَالَى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّاوَأَنتُم مُسْلِمُون)102 من سورة آلِ عمران، وقال تعالى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوارَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)1الحج .
(إصلاحُ ذاتِ البيْنِ،وفضْلُه) :
مُقدمةٌ: منْ هِداية ِالله تعالى للمُؤْمِنين، ورحمتِه بِهم، أنْ وحَّدَ كلمتَهم بالإسلام، وجمعَ قلوبَهم بالإيمانِ، فلمَّ بِه شعثَهم، وأزَالَ ضغائِنَهم، وشَفَى صدُورَهم، فكانُوا إخوةً في دين الله مُتحابِين مُتجالسين مُتباذلين، مُتعاونين كالبُنيانِ يشُدُّ بعضُه بعضاً، (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران 103، وفي آيةٍ أخرى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌحَكِيمٌ) الأنفال 63، وما من سبيلٍ يزيدُ منْ لُحْمَة المُؤمنين، ويُؤدِي إلى ترابِطهم وتآلفِهم إلاجاءتْ به الشريعةُ وجُوباً أوْندباً، ومامنْ طريقٍ تُؤدِي إلى التفرق والاختلاف، والبغض
والضغينة والشحناء، والقطيعة إلَّا حرَّمْتهَا الشريعةُ، وأوصدَت طُرُقَها، وسدَّتْ سُبُلَها؛ولذلك أمرتْ الشريعةُ بالبِرِّ والصلة، وحرمَتْ العقُوقَ والقطيعة، وأمرتْ بإفشاءِ السلامِ، إطعامِ الطعامِ، والحبِّ في الله تعالى، وعيادة المريض،واتباع الجنازة، وحفظ حقوق الأهل والقرابة والجيران، وجعلتْ للمُسلمِ على أخيه المُسلمِ حقُوقاً يحفظُها له،فيُؤْجَرُ عليْها، وأرشدتَ إلى كثيرٍمن الآدابِ والأخلاقِ التِي من شأنِها أنْ تُقَّوِيَ الروابِطَ، وتُدِيمَ الألفَةَ، وتزيدَ في المَودةِ والمَحبةِ بيْن الناسِ، وحرَّمتْ الشريعةُ الهمزَ واللَّمْزَ والسُخريةَ، والغيْبةَ والنميمةَ، والقذفَ والبهتان،والكذب والمِراءَ، والفجُورَ والجِدالَ، وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي من شأنِها أنْ تُسبِبَ الضغائِنَ والخُصُوماتِ، وتُؤَجِجَ نيرانَ الأحقادِ والعداوَاتِ .
ومع كل هذه الاحترازات الشرعية التي يُربِينا الإسلامُ عليها فإنَّ الإنسانَ في صخبِ الحياة وصعوباتِها لا بد أنْ يعتريَه غضبٌ وسهوٌ وغفلةٌ فيعتديَ على أخيه بقولٍ أوفعلٍ في حال ضعف منه عن كبح جماح نفسه، وتسكينِ سوْرةِ غضبِه،وحتَّى لايتسببُ هذا الخطأ منه في الخصومة والقطيعة التِي يغذِيها الشيطان، وينفخُ في نارِها؛ رتب الإسلامُ أجراً عظيماً على الحُلمِ وكظمِ الغيظِ والعفوِعن الناس،ووعد الله عزَّ وجلَّ الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس جنةً عرضها السموات والأرض، وأُمرَ المُعتدي برفعِ ظلمِه، والعود عن خطأِه، والاعتذار لمنْ وقع عليْه اعتداؤه، إنَّها تشريعاتٌ ربانيةٌ عظيمةٌ جليلةٌ لوْأخذَ الناسُ بِها لما وَجدَ الشيْطانُ عليهم سبيلاً، ولما حلَّت في أوساطهم القطيعة والخصومة، ولكنَّ الشيطانَ وإنْ أيس أنْ يعبدَه المُصلون فإنَّه لم ْييأسْ من التحريشِ فيما بيْنهم،وبثِ الفُرقة والاختلافِ فيهم، والنيلِ منهُم بالعداوةِ والخصومة؛من أجل ذلك شرع الإسلام إصلاح ذات البين، وأمر الله به، وأباحَ للمُصلحِين ما حرَّم على غيرهم، ورتَّب َأعظمَ الأجورَ على هذه المُهمة العظيمةِ .
والأمر بإصلاح ذات البين في القُرْآنِ الكريم :
قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ (الأنفال:1، و(إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)
الحجرات10،و(فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النساء 128.
والاشتغال بالصلح بين المُتخاصمين أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات؛ لِمَا في الإصلاح بين الناس من النفع المُتعدي الذي يكونُ سبباً في وصلِ أرْحَامِ قُطِعَتْ، وزيارة إخوان هُجِرُوا، ونظافة القلوب مما علق بها من أدران الحقد والكراهية، وذلك يُؤدي إلى متانَةِ المُجتمعِ وقوتِه بتآلفِ أفرادِه وتماسكهِم، رَوَى أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه فقال:قال رسول الله ﷺ (ألا أخبرُكم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟قالوا:بلى،قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة) رواه الترمذي وأبوداود وصححه ابن حبان، والإصلاح ُبين الناس معدُودٌ في الصدقات بقول النبي ﷺ (كلُّ سلامِى من الناس عليْه صدقة، كلُ يومٍ تطلعُ فيه الشمس ُتعدِلُ بيْنَ الاثنيْن صدقة) رواه الشيخان، قال النووي رحمه الله (ومعنى تعدلُ بينهما تُصْلِحُ بينهما بالعدل)، ولعظيم أمرِالإصلاح بين الناس أبِيحَ للمُصلحِين ما حُرِّمَ على غيرهم؛ فلا يتناجَى اثنان دون الثالث إلَّا إذَا كانَ غرضُ المُناجِي لأحدِهما الإصلاحَ بيْنهُما، وقد ذم الله كثيراً من التناجِي إلا ما كان للإصلاح (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (النساء114،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى) المُجادلة 9، فمِنْ أعظمِ التناجِي بالبرِّ والتقوى ما كان للإصلاح بين مُسلميْن قدْ فسدَ ما بيْنهُما .
وقدْ يحتاجُ المُصلحُ إلى بعض الكذب ليُقَرِّب بين المُتخاصميْن، ويُزيلَ ما بيْنهما من الضغينةِ، ويُهيئَ قلبيْهما لقبول الصلح والعفو؛ وذلك كأنْ يخبرَ أحد َالخِصْميْن بأنَّ صاحبَه لا يذكرُه إلَّا بخيرٍ، وأنَّه مُتشوفٌ لمُصالحتِه، حريصٌ على قربِه ومودتِه مع عدم حقيقة ذلك،أوْ يسأله أحدُ الخصميْن إنْ كانَ خصمُه ذكرَه بسوءٍ عنده فينفِي ذلك مع وقوعه منه، وما قَصَدَ بكذبِه إلَّا إطفاءَ نارَالخصُومة، وإزَالةِ أسبابِ الشحناءِ، فَرُخِّص له في ذلك مع قبح الكذب،وعموم المنع منه؛ كما جاء في حديث أمِ كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ليس الكذَّابَ الذِي يُصلحُ بيْن الناسِ فَيَنْمِي خيراً أوْيقولُ خيراً) مُتفقٌ عليه،فإصلاحُه فيما بينه وبين الناس أفضل إذا فعل ذلك لله وكراهة أذى المُسلمين،وهو أوْلى بِه منْ أنْ يتعرَّضَّ لعداوةِ صاحبِه وبغضتِه؛ فإنَّ البغْضَةَ حالقةُ الدينِ،بلْ إنَّ المُصلحَ بيْن الخِصميْن منهِيٌّ عنْ الصدقِ إذَا كانَ صدقُه يُشعلُ نارَ الفتنةِ بينهما، ويزيدُ فرقتَهما، والذي ينقلُ الكلام بين الناس على وجه الإفساد يُسمَّى نمَّاماً ولوْ كان صادقاً فيما ينقلُ، والنميمة من كبائر الذنوب، ولا يدخلُ الجنةَ نمَّامٌ كمَا جاءَ في الحديثِ المُتفقِ عليه عن رسول الله ﷺ فلربما نُهِي المُصلحُ عن الصدق إنْ كانَ يضرُّ بمهمتِه كمُصلح ٍ بين خصميْن، ويُرَخَّصُ له في الكذب إنْ كان الكذبُ يُؤدِي إلى إصلاح ذات البين، فكما قيلَ: إنَّ الله أحبَّ الكذبَ في الإصلاحِ، وأبغض الصدق في الإفساد .
إنَّ الإصلاحَ بيْن المُتخاصميْن مُهمةٌ جليلةٌ قد فرَّط َفيها كثيرٌ من الناس مع قدرتِهم عليها، كثيرٌ من الخصُومة تكون أسبابُها تافهةً، وإزَالتُها يسيرةً، وقد تُوجدُ رغبةُ الصُلحِ عند كِلا الخِصْميْن، لكنَّ تمنعهما الأنفة والعزة من التنازل مُباشرة، أوالمُبادرة إلى الصلح بلا وسيطٍ، فإذا ما جاء الوسيطُ سهَّل َالإصلاحَ بينهما؛ لرغبةِ كلِّ واحدٍ منهما في ذلك، فينالُ الوسيطُ أجراً عظيماً على عملٍ قليلٍ، ويُؤلِفُ بيْنَ قلبيْن مُتنافِرَيْن، وما منْ أسرةٍ أو قبيلةٍ بين بعض رجالها خلافٌ وقطيعةٌ إلَّا وفيها رجالٌ أكفَّاءعُقلاءُ يستطيعُون السَعي في إزَالة الخِلافِ والقطيعة، ولكنَّ التقصيرَ والغفلةَ تَحُولُ دون ذلك، فهم يُقَّصِّرُون في ذلك من باب عدم التدخل فيما لا يعنِي حسب ظنِّهم، قد صلحت لهم دنياهم فما عليهم لوْ اختصمَ الناسُ من حولِهم، وتباغضُوا، وأكل بعضهم بعضا، وهذه أنانيةٌ مُفرِطةٌ، وأثرةٌ بغيضةٌ، وحِرْمانٌ من خيرٍ عظيمٍ قدْ رتَّبَه الشارعُ الحكيمُ على إصلاحِ ذاتِ البينِ.
شرُوط الإصلاحِ :
يجبُ توافرُ شرُوط إصلاحِ ذاتِ البين وهي:إصلاح النية دون رياءٍ، ودون انتظار ثناء الآخرين وشكرهم:
الاستعانةُ بالله عزَوجلَّ، ويسأله تأليف قلبيِ صاحبيْه، وإلا نتهما لقبول مُبادرة الصلح.
تحرِّي العدل في الإصلاحِ، دون ميلٍ لأحدِ الخِصْميْن لقوته نفوذه، أو للخوف من بأسِه سلاطة لسانِه وسُوءِ خُلُقِه، أو لإلحاحِه وعِنَادِه، قال تعالى في سورةِ الحجراتِ(فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) الآية 9.
وعليه أنْ يتسلحَ في إصلاحه بالعلم الشرعِي، أو سؤال أهل العلم ما يحتاج إلى سؤال؛ فإنْ كان الخلاف على مال أوإرث أوأرض فلا بد أنْ يعرفَ حُكمَ الشريعةِ في ذلك قبل أنْ يُقْدِمَ على الصُلحِ،ولهُ أنْ يُقَرِّبَ بين الخصميْن، ويُقنعَهما بالصلح،ثم يختارَ لهما حكماً من أهل العلم يرضيانه،وإن كان الخلاف بين زوجيْن فلا بُدَّ أنْ يعلمَ بالحقوقِ الشرعيةِ للزوجيْن؛ ليتبيَّن الظالمَ من المظلُومِ، والمُخطِئ من المُصيبِ، فينبِهَ الظالم على ظلمه،ويدُلَّ المُخطِئَ على خطأِه .
ومن فقه ِالمُصلحِ أنْ يختارَ الوقتَ المُناسب للصُلح، فلا يُبادِرَ إلى الصلح عقب التشاتم والتعارك والتقاتل، بلْ يتربَّص ُبقدرِما يسكُنُ الخَصْمان، يعُودان إلى رشدِهِما، تذهبُ سوْرةُ غضبهما، وتضعفُ دواعِي الانتقامِ، فيُلقِي بمُبادرتِه إليهما .
وعلى المُصلح أن يَجِدَّ في قطع الطريق على النمَّامين ونقلةِ الكلامِ الذين يُعجبهم أنْ تسودَ البغضاءُ بين الناس؛ فإنَّهم ينشطُون في الأزماتِ لبثِّ الشائعاتِ، ونقل الكلام، فَيُحَذِّر الخِصْميْن من الاستماع إلى هؤلاء وأكاذيبِهم،وأراجيفِهم،وما يُريدُونه من الإفساد والوقيعة بينهما .
وعليه أنْ يختارَ من الكلام أحسنه، ويُرققَ قلبيْهما، ويُبيِّنَ لهما حقارةَ الدُنيا وما فيها فلا تستحِّقُ أنْ يتعادَى الإخوان ُمن أجلها، ولا أنْ تُقطعَ القرابةُ بسببِها، ويذكرُهما بالموت وما بعده من الحساب، وعليه أنْ يعظَهما بنصوصِ الكتابِ والسُنَّة ِفإنَهما أعظم زاجرٍ للمُؤمن، فيذكرَهما بأنَّ أعمالَهما الصالحةَ موقوفةٌ عن العرض على الله، وأنَّه لا يُنْظرُهما إلى أنْ يصطلِحَا؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قالَ: (تُفتحُ أبوابُ الجنَّةِ يومي الاثنين والخميس فيغفرُ لكل ِّعبدٍ لا يُشرِكُ بالله شيئاً إلَّا رجلاً كانتْ بينه وبين أخيه شحناءٌ فيُقال:انظروا هذيْن حتَّى يصطَلِحا، انظروا هذيْن حتَّى يصطَلِحَا،انظروا هذيْن حتَّى يصطَلِحَا) رواه مُسلمٌ .
فإنْ كانتْ الخصُومةَ بينهما قدْ أدتْ إلى قطيعةِ رحمٍ بيَّن لهما عظيمَ ما وقعَا فيه من القطيعةِ،وأنَّ الجنَّة لا يدخلُها قاطعٌ، وأنَّ الرَحِمَ شجنةٌ من الرحمن فمنْ وصلَها وصلَه الله ، ومن قطعها قطعه الله كما جاء في الأحاديثِ، وإنْ تهاجرَا بسببِ خصومتِهما ذكرَّهُما بخطرِهجرِالمُسلمِ، وأنَّه لا يحِّلُ لمُسلمٍ أنْ يهْجُرَأخَاه فوق ثلاثةِ أيامٍ،وإنْ كانتْ الخصُومة بين زوجيْن بيَّنَ لكلِّ واحدٍ منهُما حقوقَ الآخرِعليه، وذكرَّهُما بقول الله:
(إنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا) النساء 35، فإنْ احتَّجَ أحدُ الخِصْميْن بأنَّه نذرَألَّا يتنازلَ، أوْ حلفَ على ألَّا يُصالِحَ، وهذا يقعُ كثيراً بين الغُرمَاءِ والمُتخاصِمِين، فيدعوَه إلى أنْ يُكِّفرَ عن يمينه،ويُصالِحَ أخاه، ويحتجُ عليه،قال ابن عباس رضي الله عنهُما:(هو الرجل يحلفُ ألَّا يصل َقرابتِه فجعلَ اللهُ له مخرجا ًفي التكفيرِ، وأمرَه ألَّا يعتلَ بالله وليُكفِرَعن يمينِه) وروى أبوهريرة رضي الله عنه فقال:قال رسول الله ﷺ من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خيرٌ وليكفرعن يمينه) رواه مُسلمٌ .
ولا شكَّ في أنَّ الصلح خيرٌمن الشقاق،والصلة أفضل من القطيعة، والمودة أولى من الكراهية .
أثرُإصلاحِ ذاتِ البيْنِ على الفردِ والمُجتمعِ، وفضلُ الصلح بين المُتخاصمين في الإسلام :
فمنْ سعى بإصلاح ذات البين فإنَّهُ يجبُ على الناس تأييدُه وتشجيعُه بالقول والفعل، ومعونتُه بمَا يحتاجُ من الجاه والقُوةِ والدعمِ والمال؛فإنَّ إصلاحَ ذاتِ البيْنِ يعودُعلى الجميعِ بالخيرِوالمحبة والألفة، كمَا أنَّ فسادَ ذاتِ البيْنِ يضرُّالمُجتمع عامة بما يسود فيه من الأحقاد والضغائن والجرائم والانتقام، ومن سعَى إليْه أخُوه بالإصلاحِ فليقبلَ منه، وليُعِنْه عليه،وليكُن خيرَالخِصْميْن، وخيرهما الذي يبدأُ بالسَّلامِ .
فالإصلاح ُبين الناس فيه مصالحُ كثيرةٌ، وقطعُ الشحناء، وقطعُ الخصُومة، والتأليفُ بين القلوبِ،فإنَّ الصُلحَ يُؤلفُ بين القلوبِ، بشيءٍ من التناصح بينهم،والتعاون،وعدم الإلجاء إلى الأحكام،ورُبما بعض التنازلِ، فالصلحُ فيه خيرٌعظيم،وفيه مصالحُ كثيرةٌ .
فنتأملَ في حال مُجتمعاتِنا اليوم،كم من خصوماتٍ تُفَّرِقُ بين الإخوة؟ كمْ منْ نِزاعاتٍ تُمَّزِّقُ نسيج أمتنا؟ إنَّ الخلافاتِ والنزاعاتِ تنخرُفي جسد ِالأمة كالسُوسِ في الخشبِ،تضعِفُها وتفرقُ صفوفَها، ولكن هلْ نعلمً أنَّ في أيدينا مفتاحًا ذهبيًا يُمكنُه أنْ يُحَّوِّل َهذه الخصوماتِ إلى مودةٍ،وهذه النِزاعاتِ إلى تآلفٍ؟إنَّه الصلحُ بين المُتخاصمَيْن،تلك العبادة العظيمة التي رفعها الإسلام فوق كثيرٍ من العباداتِ،فليسعى كلُّ نسيج الأمة لرأبِ الصَدْعِ بيْن الأطرافِ المُتخاصمةِ،فإنَّ مفهومَ الإصلاح بين الناس في الإسلام هومنهجٌ شاملٌ لبناء مُجتمعٍ مُتماسكٍ،قائمٍ على المحبة والتعاون،إنَّه ليس مُجرد حلٍ مُؤقتٍ للمشاكلِ،بلْ هواستثمارٌطويلُ الأمدِ في استقرارِالمُجتمع وأمانِ أفراده،وكل جهدٍ يُبذل في الإصلاح هوخُطوةٌ نحوَتحقيقِ المُجتمع المِثَالِي .
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) . الحجرات الآية 10.
كلمةٌ ختاميةٌ :
لنجعل من أنفسنا دعاة للصلح والإصلاح،مُتذكرين دائمًا قول الله تعالى:﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ النساء: 128 فبصلح تستقيمُ الحياةُ،وتزدَهِرُالعلاقاتُ،ويعُّم الخيرُوالبركةُ على الجميع . اللَّهُّمَ يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين،اللَّهُّمَ اجعلنا ممنْ توكَّلَ عليْك فكفيتَه،واستعانَ بك فأعنتَه، واستهدَاك فهديْتَه،ودعَاك فأجبتَه، وسألك فمنحتَه وأعطيتَه، اللهم انصر إخوانَنا المُجاهدين والمُستضعفين في أرضِ العزَّةِ،يا رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد،وعلى آله وصحبه أجمعين.
الكاتب
حسين نصر الدين.
2/8/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق