من أجلِ عيْنِ تُكرمُ كلُ ّالعيون
حكمةٌ بالغة ٌ:
يقُولون في الأمثالِ أوْ منْ بابِ الحكمةِ : من الطرائفِ العربيةِ،أوْ من أمثال العربِ وحكمتِهم :
من أجلِ عيْنٍ تُكرَمُ كلُّ العيُون،وفي بلاد الشام يقُولون:(من أجلِ عينٍ تُكرمُ مرجعيون)،هوأحد الأمثال الشعبية التي تُقال في بلاد الشام،وخاصةً في منطقة مرجعيون في لبنان،ويعني هذا المثلُ أنَّ الشخصَ يستحقُ التكريمَ والتقديرَبسببِ شخص ٍعزيزعليه،وأنَّ هذا التقديريمتَّدُ ليشملَ كلَّ مَا يتعلقُ به،حتَّى لوْكان مكاناً مثل مرجعيون ومعنى ذلك تفصيلاً:
من أجل عينٍ:تُشير كلمة "عين" هنا إلى شخصٍ مُعيَّنٍ،وهوالشخص الذي يستحقُ التكريمَ.
"تكرم مرجعيون ": "تكرم" تعني تُكرم وتُعطى الأفضلية والتقدير،و"مرجعيون" هي منطقة في لبنان وهذا الجزء من المثل يُوضِّحُ أنَّ التكريمَ لا يُقتصرُعلى الشخص ِنفسِه،بلْ يمتدُ ليشملَ كُلَّ ما يُحيطُ به.
وهذاأشبهُ بالمثل العراقي الشَائِع القائل:(لأجلِ عيْنٍ تُكْرَمُ ألفُ عينٍ)،كما أنَّه شائِعٌ بمصرَأيضاً،وكذا أكثر تشابُهاً بالحكمة المكية نسبة ًلأهلِ مكة المُكرمة بالمملكة العربية السَعُودية القائل:"لأجل عيْنٍ تُكرَمُ مدينةٌ"
وهذا المثل رُبما مُستوحىً من الآية القرآنية من سورة الأنفالِ:(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)الآية33،حيث أن وجود الرسولﷺكان سبباً في عدم تعذيبِ قومِه،ورفعِ العِقَابِ عنهم.
أهمية ُالمثلِ ترجعُ إلى (بإيجازٍ):
التعبيرُعن التقدير: تقديرالشخص لعلاقاته الاجتماعية وحرصِه على إظهارالتقديرلمنْ حوله .
دليل على الكرم : يظهرُالمثلُ مدى الكرم والشهامة في التفكيرفي الآخرين وتقديرهم .
يعكسُ ثقافة َالمنطقة : يُعتبرُهذا المثل جزءاً من التراث الثقافي لمنطقة مرجعيون والشام بشكلٍ عامٍ. وإنْ كانَ بعض ُالمُفسرِّين فسَّرُّوهاعلى أنَّها مرج عيُون(كلمتيْن)أي مرج أي مكان تُملأُ فيه بالعيُون هكذا،وهو بإيجازٍ تعبيرٌعن تقديرالشخصِ،والتقديرُيشملُ كلَّ مَايتعلقُ به،يعكس قيماً اجتماعية نبيلة مثل الكرم والتقدير.
وقال التلمِسَانِي شعراً :
*دارَيْتُ أهلكَ فِي هَواكَ و هُم عِدَى ..*
*و لأجل عينٍ ألفُ عين تكرمُ *..
وقد سئل ابن الجوزي في جامع دمشق : هلْ يوجد لهذا المثل في القرآن ما يُشيرُإليه ؟
قال : نعم .. وذكرَ الآيةَ من سُورةِ الأنفالِ .
وروى البُخارِي ومُسلم واللفظ لمُسلمِ في صحيحيْهما:عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال : (إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا،يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ،فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ،حَتَّى يَمْلَأُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا،فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ،قَالَ:فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ وَهُوَأَعْلَمُ بِهِمْ،مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟فَيَقُولُونَ:جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ،وَيُكَبِّرُّونَكَ،وَيُهَلِّلُونَكَ،وَيَحْمَدُونَكَ،وَيَسْأَلُونَكَ،قَالَ:وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟قَالُوا:يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ،قَالَ:وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟قَالُوا:لَا،أَيْ رَبِّ،قَالَ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟،قَالُوا:وَيَسْتَجِيرُونَكَ،قَالَ:وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ،قَالَ:وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟قَالُوا:لَا،قَالَ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟قَالُوا:وَيَسْتَغْفِرُونَكَ،قَالَ:فَيَقُولُ:قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا،وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا،قَالَ:فَيَقُولُونَ:رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ،إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، فَيَقُولُ:وَلَهُ غَفَرْتُ،هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) ،في رواية البخاري:(قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ:فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ،قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) ،بالفعل من أجلِ عيْنٍ تُكرَمُ كلُّ العيون، وبالطبع هذا يُبيِّنُ فضلَ جُلساء الخيروالمودة،ومجالس العلمِ،والبر وصلة الأرحامِ.
فلنكنْ مُتحابين،مُتوادِّين،رُحماء فيما بيْننا،ولنهتديَ بهديِ القرآنِ الكريمِ وسُنَّةِ نبيِّنا ﷺ من الحبِّ والمودةِ والرحمةِ واللُطْفِ والكرمِ والإحسانِ .
وفي مصرنا الحبيبة يقُولُون :لأجلِ الوردِ يُسْقى العُلِّيقُ،وهومثل ٌمصريٌّ معناه أنَّه من أجلِ الوردة ومن أجل أنْ نستمتِعَ بجمالها وطيبِ رائحتها،وعطرِها الفوَّاح،لا بُدَّ أنْ نسْقِيَ(العُلِّيق)وهوالعشب المُتسلق الموجود تحت وفوق وحول ساق وأغضان الوردةِ،والمقْصُود أنَّه من أجلِ منْ تحبُّ عليكَ أنْ تتقبَّلَ الأمرَالسيئَ في حياتِه، وفيمن حوله،بمعنى أنْ تتحمَّلَ المصاعبَ والمتاعِبَ من أجلِ من تحبُه،إذا كانَ منْ تحبُّه من حوله من الصعبِ تقبلهم وتحملهم،فلتتحملَهم ولتتقبلَهم من أجلِ من تحبُّه،ومنْ يرُوقُ لك وتشتاقُ إليْه ويحنُّ إليه قلبُكَ دائماً،فليس لأجل الورد نسقِي العُلِّيقَ،لكنْ لوْكان العُلِّيق وحده ما سقيْناه،ولكننا لايُمكنُ لنا التخلصَّ من العُلِّيق،بلْ إنَّه سيستفيدُ ويُسْقَى أيْضاً عند سقيِنا للورد،لأنَّه موجودٌ بجانبِه ومعه وبيْنه وحوله،اللهم صلِّ و سلم على سيدنا
وحبيبناوقرة أعيننا محمدٍ ﷺ،اللَّهُم أكرِمنا في الدنيا زيارتَه والصلاة بروضتِه الشريفةِ،واحشرنا في الآخرة بزمرتِه،وأورِدْنَا حوضَه،واسقِنا من يديْه الشريفتيْن شربةَ ماء لا نظمأُ بعدها أبداً،اللهُمَّ آمين.
الكاتب
حسين نصر الدين.
6/8/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق