المقلوبة التي قلبت الموازين
كانت المائدة مستعدة بكل ما فيها من أدوات ونيات.
السفرة ممدودة كأنها خرائط للسلام،
والصحون تنتظر بشغف أن تحظى بنعمة الحشو،
والملاعق تلمّع أسنانها بريقًا،
حتى جاءتها هي...
المقلوبة.
في البداية، دخلت بصمت،
قدرٌ مقلوب على وجهه، كأن فيه ثورة لم تُعلَن بعد.
لم تكن مثل بقية الأطباق…
كانت تُخفي قلبها تحتها،
وتدّعي أنها لا شيء… حتى يُرفع الغطاء.
وحين انقلبت،
قلبت معها كل الموازين!
الخضار على الأرز،
اللحم تحت الباذنجان،
والأعراف في مهبّ النكهات!
قالت السلطة بدهشة:
"هل يُعقل؟!
من يضع اللحم في الأسفل؟
ألا تخافين أن تُدفني؟"
فأجابت المقلوبة بثقة:
"أنا فلسفة هندسية،
أُبنى مقلوبة لكي يكون الانقلاب جمالًا،
وليس كارثة."
اعترضت قطعة دجاج نصف محترقة:
"لكننا اعتدنا أن نكون على السطح، نُشاهد ونُؤكل أولاً!"
فردّت المقلوبة بلغة الحكماء:
"العمق ليس نفيًا،
بل تحفظٌ حكيم،
أنا أعلّمكم أن الجمال لا يُرى من الخارج،
وأن الطعم الحقيقي... تحت السطح."
ثم نطقت الشوكة التي تناولت منها أول قضمة:
"ما هذه الفوضى؟
أين البداية؟ أين النهاية؟"
فقالت المقلوبة بهدوء:
"أنا النص الذي يُقرأ من الأسفل إلى الأعلى،
من الجذر إلى التاج،
ومن الحريق… إلى الرائحة."
وفي تلك الليلة،
خرج الجميع من العشاء وهم صامتون،
يفكرون…
هل نحن نعيش حياتنا بشكل مقلوب؟
هل ظاهرنا هو المزين،
وباطننا هو اللذيذ؟
فليست كل مقلوبة طعامًا،
بعضها فكرة…
تقلب التراتب،
وتُعيد تعريف "من فوق ومن تحت"،
في عالم لا يعرف إلا التقديم حسب المقاس، لا المذاق.
الكاتب
سيد حميد عطاالله.
4/8/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق