المراعي
لا تختلف المزارع المجاورة عن مزرعته التي ذاق بها ذرعا فقرر هجرتها ، التربة هي نفسها التربة في خصوبتها أو فقرها ، الأرض على شساعتها تبدو بدون جدوى ،المياه مهما ندرت لا يمكن اعتبارها الكنز الوحيد الذي يسعى الجميع إلى امتلاكه ، فهناك تحت الأرض وديان أخرى لم يسمع بهديرها إلا تلك الطغمة التي تسعى حثيثا إلى المتاجرة بالوطن ، يمهدون الطريق لجعلها من الممتلكات الخاصة عن طريق سن القوانين، أو تسييج الفضاءات الموسومة بنكهة ما ، و ربما تحويلها سريعا دون سابق إنذار إلى محميات للطيور على ظهرها تقام أوكار مموهة لتدخل طبعا في الملك شبه العام . وتؤدي الأدوار المنوطة بها بكل ثقة .
استنزفت الفرشات المائية بطريقة فجة فظهرت ضيعات بمقاييس جديدة ، لا أحد يعرف الأهداف الحقيقية ، فدوما هناك مساعي خفية تتدثر بأخرى معلنة ، هل يقصد بذلك خلق موارد إضافية أم أنها وسيلة أخرى لتكديس الثروة في أيدي أولائك الذين يراد لهم مزيدا من الهيمنة والتحكم ، فيحرم وأمثاله من صغار المزارعين من شربة ماء حتى ،؟
كيف به أن يسقي أشجاره التي ظل سنين عددا ينتظر ثمارها؟ أما الشتلات الصغيرة فقد بدأت تفقد بريقها ، يرى دوابه وصغارها التي لا تحسن المشي وهي تترنح باحثة عن مايضمن لها البقاء وهي التي كانت قبلها لاتجد مشقة في رواء حتى أضحى الترويج للحروب المائية أمرا مستساغا وخطابا يجد آذانا صاغية في كل محفل .
خلف الوادي الكبير تنتشر المراعي ، تسعى جهات أخرى إلى تجفيف منابيعه متذرعة بضمان الاكتفاء الذاتي في الطاقات المتجددة وخلق بيئة نظيفة مواكبة الحملات الممنهجة من أجل جلب مكاسب جديدة ، الشعارات البراقة التي تخفي في ثنياها سموما فتاكة هي نفسها التي دمرت الفرشة المائية ، تلون منمقة مفرداتها ، موظفة آلاتها الجبارة في التوجيه والتنميط، غير عابئة بنفوق كل تلك الأسماك الصغيرة التي اعتادت المرح والبهجة في بيئتها الأم ، و هجرة آلاف الطيور باحثة عن ملجأ آمن ، فضلا عن اجتثاث جذور صغار الفلاحين الذين لايقام لهم وزن ولا يسمع لهم بعدها ذكر ، بالترغيب أو الترهيب لاقوا حتفهم وطمست معالمهم .
الخريطة التي نشأ على رقعتها ، والجبال التي أحاطت به ، وكذا الأشجار الباسقة التي كانت درعه الواقي من هبات الريح الغربية والشرقية لم يعد لها معنى ، فكل صلب طفق يتحول ، أضحت الهشاشة سمة المكان، لكن على محطات الرصد الموجهة تصطدم عينيك بصور أخرى ، أشجار جديدة وارفة الظلال تختفي خلفها الغابة .
الكاتب
إدريس الزياتي
4.1.2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق