نبض نخلة: سهرة الميت //الكاتب عبد الفتاح الطياري

الجمعة، 6 أكتوبر 2023

سهرة الميت //الكاتب عبد الفتاح الطياري

 سهرة الميت 


الموت مؤلم. 

ربما هي صدمة، دفن خالتي العزيزة... وقضاء يوم كامل مع عائلتي الكبيرة والجيران وبعض سكان القرية... وأول تجربة أواجهها مع رحيل شخص غال على قلبي... كنت يوم الجنازة مستلبسا إلى حد الوقاحة.

المعزون في قريتي لا يجلبون الزهور بل الطعام... أفواج أفواج بكل سرية الواحد تلو الآخر يندسون في بيت المونة ثم يخرجون بسرعة مثلما دخلوا.

بعد الجنازة... رجعنا إلى المنزل وكل مشيع مع عقله سارحا...

حان أذان المغرب وتفرقت الجماعة.

وبعد هنيهة، ألاحظ المنزل مكتظ مرة أخرى خمسون شخص أو أكثر يجلسون على كراسي بلاستيكية، متجمعين حول وجبة الطعام في الشارع، رائحة البخور والقهوة والشاي تملأ الهواء،تأتينا مقتطفات من المحادثات من الغرفة المخصصة للنساء مثل قذيفة من مسافة قريبة، بالنسبة لأولئك الذين تجاوزوا الستين من العمر، مثلي والذين يأتون من الهجرة لدفن خالتهم، من الصعب أن يشهدوا مشاهد البهجة في سهرات العزاء لمدة ثلاثة أيام متتالية... ولا تأخذهم صدمة وحرجا.

حكايات فكاهية، انفجارات من الضحك، وأحيانا نكت كلها ألغاز ، وقحة ومدهشة... تواجهها ردود لذيذة تثير إعجاب جميع المعزين وعجب المبتدئين مثلي أنا، وينطلق سوق عكاظ الحاضرين كل واحد بحسه وصوته يصيح بين المشيعين... وأنا أعزف في نفسي كل النقم على عباد لا يحترمون أرواح الميتين.

من الغريب رؤية أشخاص من الماضي عندما يكون الحاضر فاسدا للغاية، قلت في نفسي نقمة على روحي. 

يضحك الجميع كثيرا لدرجة أن الدموع تنهمر على خدودهم.

 عيناي مثبتتان عليهم، مرعوبتين من ظهور مثل هذا الفرح في بيت الحداد.

بدأ الجو يصبح ثقيلًا بعض الشيء بالنسبة لي. 

أخذت أخي على حذا سألته عنوة هل فقدتم عقولكم ولا تبالون ما تصنعون؟ صخبكم يتآنس وحفل مسرات... ضحك مني وقال لي تريد البكاء أبكي من يمنعك؟ تريد الضحك أضحك فمن يمنعك؟ تريد السكوت اسكت فمن يمنعك؟ لولا مواساتنا بهذه الطريقة لدام العزاء وفنى أهل الميتة...

تركته يهذي ودخلت بيت النساء... فوجدت نفس السيناريو لا ينقصهن إلا الغناء، حيث أصبحت الوليمة والتجمع في منزل المتوفى نوعا من الترفيه والملذات، بل أصبح في بعض الأحيان مناسبة لإبراز مكانة العائلة الاجتماعية من خلال ما تقدمه من برامج ومستهلكات تتجاوز أصل السبب وهو الوفاة لتصل إلى التبرج بملذات الحياة ".

فهمت لماذا كل هذا الإسراف.

فالتزمت الصمت والسمع والفرجة طوال ليالي الفرق، أومئ برأسي لمن يسلم عليّ، وأبتسم عندما يضحكون، وأخدم عندما يطلبون مشروبا، وأرافق المعزين إلى المخرج.

فهمت أن نوبات الضحك في وقت الحزن هي الدفاع الأول عن سلامة الصحة النفسية للأحياء وتساعد على النسيان.

الموت يفترض أن يذكرنا بأننا ميتون لا محالة. 

 إذا الموت لازمة فلماذا القبور قد أصبحت تزركش ومنها ما هو شبيه بالمتنزه وكأن الميت سيعيش فيها بعد تركه وحيدا.

ولماذا الفرق تحول إلى مأدبة عشاء يستدعى إليه الأوفياء؟ 

في مثل هاته الليالي، نتعلم ألا نفكر فيما كان يمكن أن يكون، وأن نقدر ما لدينا من الخطأ الفادح أن نعتقد أن الناس هم كما يبدون.

فهمت من بعدها أنني من أبناء عصر قد مات وتولى... فعلي أن أرحل.


الكاتب

عبدالفتاح الطياري.

6/10/2023‪



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دورة الزمن//عبد الغني ابو ايمان

.:: دورة الزمن ::. نأتي للدنيا رضعا باكينا.. والكل حولنا بالفرح يغشينا.. حب الوالدين والأهل يلفنا.. والجميع يلهث ليرضينا.. تتوالى أيام طرًّا...