#يوم_الذكرى
مساء الأول من نوفمبر، لوسيا الصغيرة تراقب جدتها وهي تضع أخر زهرة من زهور "سيمباسوشيل" البرتقالية على الطاولة المزينة في زاوية حجرة الأوڤريندا . طاولة أخرى مستطيلة مواجهة للباب تزينها صور قديمة للأجداد ، كؤوس ماء، خبز الموتى، وشمعتان لا تنطفئان.
قالت الجدة وهي تشعل البخور:
"الليلة يعود الأجداد يا لوسيا"
نظرت بعينان دامعتان لصورة تحتل منتصف الطاولة قبل ان ترفعها وتقبلها
الليلة يعود جدك رامون..
ضحكت لوسيا الصغيرة وهي تحضن جدتها بحنان قائلة
"حدثيني عن جدي يا جدتي"
لمعت عين الجدة وتحولت ملامح حزنها لإبتسامة رقيقة
كانت تحكي وكأنها قد غادرت الزمن لترحل إلى هناك حيث رامون الشاب القوي مفتول العضلات
قاربه الصغير الذي كان يرتحل عليه واحده بشباكه ورمحه وفي كل رحلة كانت تثق ان بطلها سيعود محمل بخيرات البحر
لم يكن قويا وحسب بل كان حكيما واعظا
يحبه الجميع ويثقون فيه
يحكم بينهم ويتقبلون أحكامه بكل رضا وحبور .
وبقدر حبه للبحر بقدر ما أحبه البحر فاحتضنه وأبي أن يعيده
طبعت لوسيا قبلة فوق جبين جدتها
وهي تقول
لطالما أستمتعت بحكاياتك عن جدي رامون حتى شعرت انني أعرف جيدا وينتابني شعور بالفخر انه جدي
في منتصف الليل، استيقظت لوسيا على صوت خطوات خفيفة وضحكة دافئة. خرجت من سريرها بهدوء وتسللت نحو الطاولة. هناك، وسط ضوء الشموع المتراقص، كان رجل طويل القامة، بملامح تشبه صورته تماماً، يأكل من خبز الموتى ويردد أغنية عن نهر يبتلع القوارب ويُعيدها مملوءة بالأسماك.
لم تشعر بالخوف. بل جلست على الأرض وراحت تنصت.
سألها الرجل:
"هل لا تزال الجدة تحكي لك قصص الأجداد
هل أخبرتك عن عالمنا وبقائنا المرتبط بذكرانا"
أومأت لوسيا برأسها ان نعم يا جدي
لكني أريد ان أسمع منك انت..
أبتسم رامون وجلس يخبر الصغيرة عن عالمه الخاص المثالي ف الأشرار يندثرون هناك سريعاً لأن ذكراهم مؤقتة ،أما الأخيار فذكراهم وصورهم تزين أوڤريندا عائلتهم مما يسمح لهم بالبقاء لما هو أبعد من الموت
أراد ان يعلم لوسيا الصغيرة حكمة الله في الكون
وأشار إلى قلبها الصغير وقال
"هنا الحياة الحقيقية داخل قلوب من أحبونا"
برغم قصر رحلتنا في الحياة يمكنك ان تكون حاضر إلى مالا نهاية ..
نظرت إليه لوسيا وقالت
" أريد أن أذهب معك لعالمك"
ابتسم الجد رامون وقال:
"يوما ما سنلتقي هناك بعدما تغزلي ذكراك في عقل وقلب من يحبك، بعدما تخبري أولادك وأحفادك عن الجد رامون
هكذا فقط يمكنني ان أكون في إنتظارك هناك
وإلى ذلك الحين
سأعود كل عام لأخبرك بحكاية جديدة"
وفي الصباح، وجدت الجدة بقايا من الخبز وورقة صغيرة كُتب عليها بخط قديم
"إلى لوسيا، لا تنسي أن تروي ما لا يُروى عن عالم الأجداد"
ومنذ ذلك اليوم، كانت لوسيا تضع كرسياً إضافياً عند الطاولة، تنتظر صوت الخطوات كل عام.
يوم_الموتى
عقيدة_مكسيكية
ما_بعد_الموت
الكاتب
حسين العربي.
3/6/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق