العقارب البيضاء
عتادت "أميرة" أن تجلس في صدر الغرفة كالملكة، تحيك خيوط العائلة بخيوط سوداء. كل كلمة تخرج من فمها كانت كإبرة تطعن في جسد العائلة، لكنها كانت تنظر إلى نفسها وهي تبتسم، مقتنعة بأنها الحارسة الأمينة.
تردد على مسامع أولادها كل يوم قصة نضالها وكفاحها مع أبيهم وكيف كان دائما ناكر للجميل .
ولأن الوعي تُشكله الآذان أكثر من الأعين
ترسخت داخلهم تلك الكلمات التي طالما همست بها كل ليلة
أبوكم يريد تدميركم، يريد أن يهيل التراب علينا إرضاء لنزواته وشهواته ،أبوكم لا يحب إلا نفسه.. بينما الأب "خالد" يعود من عمله المتعب، حاملاً حلوى صغيرة لهم، غير مدرك أن زوجته حولت بيته إلى ساحة حرب.
كبر "ياسر" و"جاسر" و"آية" على كراهية خفية لأبيهم.
"أميرة" علمتهم أن الخيانة هي ذكاء، وأن الكذب هو حكمة، وأن احتقار الأب هو قوة.
كانت توزع أدوار الضحية والجلاد بينهم ببراعة، حتى صاروا يتنافسون على من يجرح الأب أكثر
دون دراية منهم إنهم يقتلونه لا يجرحوه فقط.
ذات يوم، مرض خالد احتاج إلى مساعدة أولاده، لكنهم تذكروا كلمات أمهم:
ضعفاء القلب يموتون أسرع، لا تنظروا إلى الوراء.
فتركوه وحيدًا في المستشفى حتى حين أغمى عليه من الألم، ظل يردد:
لعلهم مشغولون.
مات الأب. وجدوا في جيبه رسالة:
"اغفروا لأمكم، فهي لا تعرف أن الضواري لا تلد نعاجا سامح الله الجميع"
لكن أميرة لم تبكِ،نظرت إلى أولادها وقالت: انظروا كيف صرتم أشداء!
بينما كانوا ينظرون إلى بعضهم بعيون مليئة بالخوف. لأول مرة، أدركوا أنهم صاروا غرباء، وأن دم الأب كان أخر ما يربط بينهم.
أختفت العائلة كما يختفي السكر في الشاي المر. وحدها أميرة بقيت، تروي لنفسها قصة أم ضحت بكل شيء من أجل أولادها!
الكاتب
حسين العربي.
16/6/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق