سكينة على سفينة من سجاد
ليست سجادةً...
بل خارطة الرجوع إلى نقطةٍ لم تُرسم على الأرض.
رقعة من صمتٍ مقدّس، خُيطت بخيوط لا تُرى،
من حنين الملائكة، ومن أثر خُطا من مرّوا نحو الغياب طائعين.
هي سِجلٌّ تدوِّن مع الملكين إنابتك،
وقارورةٌ تجمع دموعك الساجدة،
وقلمٌ يخطّ قصيدةً صوفية،
أبياتها كلها: الله، الله، الله...
لم تحصِ أنفاسك،
بل تحفظ تلك النبضة التي اهتزّت،
لا لتأخذ الهواء،
بل لتأخذ النور من ملكوت الله.
هي أرض الله المقدسة، التي بارك ما حولها،
وهي الأمان المطلق من جيوش إبليس،
الذي يجلس عند حافتها،
يحاول أن يعيدك إلى الظلمة الأبدية.
فكم جُرحًا تُداوي حين تثني قدميك وساقيك؟
وكم ضياعًا تلمّ حين تنادي على الغيب؟
فإذا بسطتها،
كأنك أعددت سفينة نوح
وأركبتَ قلبك فيها باسم الله مجراها ومرساها.
ليست تحتك، بل فوقك...
تحملك من جسدك، وتفرّغك من وزنك،
حتى تصير ظلًّا لروحك،
وظلّ الروح أخفّ من الدعاء، وأثقل من التاريخ.
تفردها لا يدٌ بشرية،
بل شوقٌ استيقظ فيك دون أن تدري.
تظنها سجادة،
لكنها في الأصل ذاكرة،
تتذكّر كل ركعةٍ لم تكن كاملة،
وكل دمعةٍ سقطت خارج موعدها،
وكل نيةٍ زلّت قبل الوصول.
إنها قميص إبراهيم حين أُوقدت النار،
وفلك نوح حين علا الطوفان،
وعصا موسى حين انشق البحر،
ودرع داود، وخاتم سليمان،
وكهف الفتية حين ضجّت الدنيا،
ومصحف محمد حين سُئل عن الروح.
ألوانها؟
هي خرائط الضوء حين يتوضأ.
وزخرفتها؟
أسماءٌ ضاعت من ألواحٍ قديمة.
كل وردةٍ عليها، شهقة نبيّ،
وكل تعرّجٍ فيها، ارتجافُ قلبٍ في لحظة كشف.
وحين تسجد، لا تلامس الأرض،
بل تلامس أمّك الأولى: السكون.
تدخل في نفقٍ لا مخرج له،
سوى بابٍ يُفتح من داخل صدرك،
حين تنكسر كفّاك ولا تجد إلا: "هو".
إنها لا تسمعك، لكنها تحفظك،
لا تراك، لكنها تعرفك كما لا تعرف نفسك.
كأنها النسخة الأصلية منك،
المخبّأة في درج الرحمة،
منذ كنت مجرّد فكرةٍ في غيب الله.
تُطوى؟
نعم، لكنها لا تُطوى كما تُطوى السجادات،
بل كما تُطوى الأعمار بعد توبة،
وكما تُطوى السماوات في كفّ العارف إذا قال: "اللهم".
هي ليست شيئًا...
لكنها كلّ شيءٍ،
حين يُمحى كلّ شيء.
الكاتب
حميد عطاالله الجزائري.
4/8/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق