مسابقة_اقرؤوا_لتكتبوا
التحدي_الأول: أدب البحار
عنوان_القصة: قربان
كل شيء كان مغرياً للخروج برحلة إلى البحر .. حيث اللهو يترعرع في عيون الإنتظار. أزاحت والدتي الستارة لتملأ أشعة الشمس أرجاء الغرفة وتداعب أجفاني التي اثقلها النوم..
لم أتجاوز العشر سنوات آنذاك.. تأرجح قلبي فوق غيمة برية، عالم من المرح يتقافز داخلي..حاصرني قلق والدتي من البحر، حيث أزقة الأمان على الساحل وأنا أصارع الرمال، انثرها تارة بأقدامي وتغريني لبناء عشوائي تارة أخرى . حفزت صورة البحر داخلي ثورة غضة، والشمس تعكس من أشعتها بريق يطرز أطراف تلك الأمواج، كأنها تهيأت لتحملني الى ذلك الحلم النقي..
السماء زرقاء تزينت بقطع من الغمائم البيضاء، أبحرنا في ذلك الزورق، نزلنا إلى الجزيرة ، والأشجار تحف بنا، تظللنا، تهب منها رائحة الرطوبة.. الحشائش الطرية تداعب أقدامنا الحافية .. لوحة رسمتها كف ربانية غاية في الإبداع . تقدمتُ وأنا أنظر بحب إلى البحر..شيءٌ ما جعلني أتعلق به..
سرتُ نحوه وقدماي تغوص في الرمل وتنثره جانباً خطوةً أثر أخرى ، اقشعر جسدي من برودة الماء الذي غطى قدماي ثم ساقاي، كاد يلتهم جسدي بينما أهلي في غفلة عني ..
تقدمت أكثر .. سحرتني موجة تلاعبت بجسدي الصغير..سعادة غمرتني وأنا أحتضنها ، كان الضجيج محتدماً حولي وأصوات الأطفال والكبار تتعالى بإفراط بين خوف ومرح..
فجأة شد انتباهي صراخ، لم يكن ذلك الصوت غريب على مسامعي..كأنه ملأ الكون بالهلع، استدرت لأرى ما الخطب، لم تسعفني عيناي على إلتقاط صورة عما يجري،فلم أميز شيء سوى وجوه شاحبة وأشلاء متداخلة تستلب الروح.غمرني الماء الذي فملأ عيني وجوفي ليخرج من أنفي وأنا أتهاوى إلى العمق.. ارتطم جسدي، تقطعت أنفاسي، لا أرى شيء من أشعة الشمس إلا نور خافت يقتفي الظلمة أثر الضوء ..فقاعات تتصاعد بلا رجعة…أصوات ثقيلة وضغط يشل حركتي
استسلمت وعيناي تنتظرها : أمي.. أمي.. أسمع ضحكاتك، فهل تسمعين مناجاتي؟ قلبي الصغير يستنجدكِ.. استبدل جسدي برموز لا تروي من نظرٍ ولا تُسكن من وجد هناك حيث أعماق البحر .. أغازل حضنك ليغلق منافذ وحشتي وينتشلني كطيف سفينة تساوم عمق بارد مظلم مغلق..ها قد جاءت أمي بوشاحٍ من ضباب يحث الخطى. معها سكينة الفصول والعواصف..
.. بدأ كل شيء يتحول إلى سواد..أصوات الزحام هدأت.. الأمواج سكنت.. كل شيء معتم وكأن النوم قد حان..هدوء وسكينة وظلام وعمق بارد..رقد البحر بسلام ..ربما سأصحو من نومي الغامق ثانيةً..رصيف ذاكرتي أضاء قناديله. يلوّحُ من أعلى غيمةٍ طريدة .عشق البحر في صغري، آثار أقدامي على الرمال.. هبَّ نسيم بارد.. تصاعدت موجة تلو الأخرى..
مرت الأيام، ودارت السنين والبحر هو البحر بعمقه الساحر وجماله الخلاب، وأنا أجلس على تلك الصخرة أتى الفجر محملا بباقة ورد .. وذلك الوتر الدافي في حنجرتي لازال ينادي.. أراقب بصمت سعادة تغمر قلوب الناس على ذلك الساحل..وعيناي على تلك الضفة تنتظر مجيء أمي بشوق مستعر وحنين تذكو جذوته..
الكاتبة
شمم الجبوري
26.8.2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق