الفارس الملثّم
في ثنايا المكيدة تنصب المشانق على الألواح الصارمة...تنتظر فرائسها...تطارد المشاوير العابسة...تعاند الزمن السرمدي. وتدحض نبوءات الدجّالين.
كانت الرحلة شاقّة...والخبب مزدحم...سراديب النشوة الملتهبة يسقط عن النفس أسرارها...وأشتات من أطوارها ...أغوارها مسكونة بالضجيج والخوف وخفقات قلبه الخائرة...كانت الغيوم متناسقة تجوب الٱفاق العالية..ترسم على صفحتها خطوط متشابهة...خربشات مبهمة متعامية..
الحسرة مرسومة على الفيافي النائية المغروسة في وديان التلّة البعيد..والفجر يستجلب السلوى...يراقب أقباس العتمات التائهة التي تبحث في خلجات الظلام عن قبس ينير دروبها.
فراسته كانت قاطعة...كساء الطبيعة دافق مخضوضر جميل ...وفرسه سامق شاهق في تفاصيله...جميلة ملامحه...أصيل في تجلّياته...كان طودا عاليا في مسيرته...وفيا...شاهقا.
ركن من هزيع الليل الأخير تسكن وحدته...يقف رفيقه قربه شامخا...أعرافه متوهجة...ذهبية الدلالة...تبرق مبهرة...ضوء القمر خافت يستعجل المبارحة.
كان طريقهم طويلا...ومطاردة تتلوها مطاردة...راودته الذكرى تلطم الغفوة القاهرة...كبّ في ثناياها الطويلة حتى غسلته الدماء المتفجّرة...كمد يسكن روحه الملتهبة...والفرسان تنحو مترادفة...تعرج الميادين الظليلة تبحث عنه متهادية
.كانت الأميرة تظفر جدائلها...متوترة عابسة...وفارسها الغوار تغتاله الأسنّة القاطعة..يسدّون عليه المنافذ ...يغرقون السهوب الساكنة بضجيج الأنفاس الملتهبة ووقع الحوافر على الأرضية الراقدة بسلام على ثرى الأرض الفاتنة...
رذاذ مطر خفيف يلثم وجنته...نهر جار في الضفّة يلاطف عذوبة المكان ويفجّر الذكرى...السكون رديف المطحنة...يسبق دائما أسوار البلوى...
حمحم فرسه جاثيا...واقفا منتصبا...وقع حوافر... وجلبة. لقد عادوا من بعيد...ووقع في المصيدة...ياليتها القاضية...
تحسّس سيفه متدفّقا...دفق البوح يستلب النفس المولولة...يسكن الروح ويسلّم أمره ويستعدّ للوثبة القصوى...تعالى الصهيل في الٱفاق...وترادفت الفرسان في المدى ...إصطفّوا ...يشقّون الفلوات الخضر...سيوفهم ثقيلة تتأرجح صارمة...بريق سيوفهم يشتّت المهجة الثائرة...
تقدّم فارسهم...مشدود الهمّة مغوار ثائر باسق القمّة...قفز من علياءه...نحو الأرضية الرخوة...دنى نحوه وئيدا دافق المعنى...نزع لثامه الغليظ من وجهه الصبوح...وإنشدّ حاسرا ...يستلطف المغزى...ضحكة جليّة لمعت كصليل الصوارم في الدجى...إنها هي...تلمع فاتنة.
إنه أميرته الهيفاء شقّت البوادي متنكّرة...تلطم الفجوات وتزرع دماء الحياة في الشرايين الميّتة...تسابق الفرسان الملثّمة..تحمل بين جنوبها خفقات حانية...وحب مستطير وقافية...ودفاتر شعر ونفس حائرة..
عادت مكشوفة الخيوط...تنتصر لفجر تشقّ أنواره خدودها الجميلة وترسم على الأخاديد المزدانة معنى الحبّ والوفاء.
الكاتب
محمد سليماني
15.1.2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق