غربة وطن
أي اغتراب هذا، الذي أجبرنا عليه بمحض إرادتنا أو عنوة عنا.
صرخات الأطفال شقت عتمة الظلام وسط هذا المخيم القديم.
لمست قلبي المرتعش كباقي الأطفال، وكذلك الجيران من حولنا.
فها نحن مرة أخرى أمام الهجمات الجوية التي تحصد القلوب والأرواح.
تتراقص الخيمة التي تقطنها كرقصة الموت الأخيرة في ظل هذا البرد القارص.
لا نملك الكثير من الوقت
يجب أن نغادر بسرعة هذا المخيم، ولكن إلى أين سنذهب ؟
لا أعرف!
المهم أن نرحل سريعا.
أعدّي وجبات الأطفال تكفي ليومين ريثما نصل لمكان آمن هيا بسرعة.
لحظات وكان كل شيء يتناثر حولنا الأتربة والحصى تملأ المكان، قذائف كسرت إرادتنا هزمت عزيمتنا،
لكننا ما زلنا مصرين على النجاة بأرواحنا.
وهكذا بدأنا رحلة الاغتراب مع الموت للمرة الثانية.
نجاهد بأنفسنا الركام ووعثاء الطريق.
حطت بنا أقدامنا في بلدة مجاورة .
برد وصقيع ينخر أجسادنا المنهكة.
لا بيت يضمنا ولا شجر يحمي ضعفنا.
ها هم صغاري جوعى عيون هدها السهر والنعاس.
بدو كلعب حجرية من كثرة الغبار الذي حط على رؤوسهم أثناء الهجمات، دموعهم تحجرت في المآقي .
ولا زالت آثار الموت والدمار بادية تحوم فوق رؤوسنا.
وهناك في بيت كبير جهز خصيصا لايواء اللاجئين كان الجميع يلتحف وجعه ويتدثر بحزنه.
وفي الليل نتحسس أحضان بعضنا نلتحف بها أو أي قطعة قماش تركت هنا أو هناك لكي نشعر بالدفء.
كنت وعائلتي بأمس الحاجة ليد حانية تربت على كتفي .
أو كلمة طيبة ترتق جراح أرواحنا المكلومة .
أي حزن مطبق على الجميع .
كنت أشك أحيانًا بأن ما يحدث لنا هو إلا مجرد حلم لا بل كابوس مرعب سرعان ما نستفيق منه.
كل صباح كان يمر بنا يهزم إرادتنا.
ويثني من عزيمتنا، مرت أيام وأيام ونحن في ضيق.
وأخيرا اغترب زوجي أيضًا
ومرت سنين عجاف علينا ونحن ننتظر.
في بلد الغربة لم الشمل
أو العودة لأرض الديار دون خوف أو وجل.
كل شيء أصبح طعمه لاذع وغير مستساغ، طعم يكسوه الذل والمهانة.
هناك في بلد المهجر ننعت بالغرباء المهددون بالرحيل في أي وقت.
تشتاق لوطنك لأهلك لأحبتك،
لكنك لا تسطيع أن تعود، فأنت في الغربة.
وإن حاولت أن تعود ستجد جميع من كنت تعرفهم طحنتهم الحياة وغيرت من طبيعتهم.
ستجد نفسك غريبا بينهم
حينها أحتضنت أولادي.
رسمت لهم الوطن قلب كبير يحتضن الجميع رغم المحن، وعدت معهم للوطن .
الكاتبة
إكرام التميمي
9/9/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق