نبض نخلة: ماسحُ الأحذيةِ // الكاتب محمد جعيجع

السبت، 4 سبتمبر 2021

ماسحُ الأحذيةِ // الكاتب محمد جعيجع

 ماسحُ الأحذية: 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

عاشَ أيّامَ الثمانينات منَ القرنِ الماضي رجلٌ فقيرٌ  يُدعى "سعيد" وزوجته "زليخة" وكان لهما من الأبناء "علي" وبنتين "مليكة" و"مريم"، وكان يشتغل بالعتالة ليكسب قوت يومه وعائلته؛ وكان سعيدٌ راضياً بما يرزق به، صابرا قنوعا.. مرض "سعيد" ولازم الفراش لأيّام وأيّام وطال عليه الأمر وساءت حال العائلة، فلا أكل ولا شراب ولا دواء، وكان نجلُه "علي" تلميذاً يدرس بالمدرسة الابتدائية في السنة السادسة، وكان تلميذاً نجيباً نشيطاً متفوّقاً على أقرانه بنين وبنات؛ ونظراً لسوء حال أسرته ومرض والده فكّر في أن يبحث عن عمل وهو في سنٍّ مبكّرة، وأخذ عهدا على نفسه أن يزاوج بين دراسته وبين عمله، لكي يعول عائلتهِ ويصرف على دراسته ودراسة أختيه... 


وكان في الحيّ الذي يسكنون فيه دكان تمارس فيه حرفة "الإسكافية" لصاحبه "عمي بشير"؛ ذهب "علي" إليه وطلب منه المساعدة بأن يجد له عملاً عنده أو عند غيره، المهم عمل يطيقه جسمه الصغير ويعود على أسرته بمبلغ مالي يعيلهم ويسد رمقهم؛ وبعد اطلاع "العم بشير" على الظروف القاسية التي تمرّ بها عائلة هذا البرعم الصغير، وأعجب به وبعزمه كثيراً مقترحاً عليه أن يشاركه بالعمل في دكانه المتواضع، ويسند له عمل "مسح الأحذية" لزبائن المحلّ على أن يتحمّل بعض التصرّفات التي تصدر عن بعضهم؛ وأن تكون أجرته من عمله بشكل مستقلّ، أي ممّا يعطيه الزبائن له؛ قبل "علي" العمل بالشروط التي وضعها "العم بشير" وأضاف هو شرطا واحدا تمثل في أن يسمح له بالذهاب إلى المدرسة في مواعيدها، قبل الطرفان الشروط... 


استلم "علي" العمل في اليوم التالي وبدأ يمسح حذاء كلّ زبون يطلب منه ذلك وكان من بين الزبائن رحيم القلب بهذا الصغير ، يعامله بكلام طيّب ويغدق عليه ببعض الدريهمات، وكان البعض الآخر منهم يهينه برفع الصوت وبالتوبيخ بحجة أنّه لم يمسح الحذاء كما ينبغي، أو بالإسراع في عملية المسح، ويعطونه نصف درهم عن كبر وتعالٍ، هذا إن لم يقال له "راك تسأل" بادعاء أنّه لا يوجد لديهم فُراطة نقد، ومنهم من يأكل حقّه؛ و"العم بشير" لا يقوى على الدفاع عنه إلّا نادرا بسبب الاستحياء منهم، ويشير بعينه إلى "علي" بتحمّل ذاك التصرّف المشين؛ ومع مرور الأيّام تعوّد "علي" على الوضع وكان دائما يحثّ نفسه على الصمود والتحمّل، واضعا في ذهنه تلك المشاقّ بالحسبان ممّا زاده إصرارا على الدراسة والتفوّق... 


بعد عام ونصف توفّي والده بسبب مرض عضال، وتحوّلت المسؤولية بشكل رسمي لـ"علي" وهو في السنة الثانية من التعليم الإعدادي، تحمّل المسؤولية كأفحل رجل وعزم على أن يصبح طبيبا كنتيجة لما آل بوالده: استمرّ "علي" في عمله وفي تحمّل تصرّفات أصحاب الضمائر الوضيعة؛ حتى نجح في امتحان نهاية مرحلة التعليم الثانوي "بكالوريا" بامتياز وبمجموع يؤهله لدخول كليّة الطب عن جدارة واستحقاق.. كبر دكان "العم بشير" وصار ورشة صغيرة لصناعة الأحذية والحقائب والمحافظ، فأسند مهمة "المحاسبة" والتعامل مع الزبائن إلى الأمين "علي" لأنّه لم يكن لديه أولاد ... 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


الكاتب

محمّد جعيجع من الجزائر ـ 04 سبتمبر 2021






هناك تعليق واحد:

ساحات الفدا//الكاتب بسعيد محمد

 نشيد ساحات الفداء  نسر أنا يطوي الرحاب بفرحة كسر القيود و صولة الدخلاء أنذا مشوق للضيا و سمائي  و لأرضنا ...