ظل السنديانة
في إحدى القرى الصغيرة من قرى السلط، وفي سفوحها الجميلة ،كانت السنديانة العتيقة شاهدة على الحكايا
الحب التي لا تموت .
وجذعها الملتف كضفائر جداتنا، وأغصانها تمتد كأذرع الأخطبوط، تخبئ أسرار العاشقين بين ثناياها .
كانت هناك فتاة تدعى "حلا "تجلس تحت السنديانة كل فجر ، تغني لراعي الغنم الذي يمر من بعيد، ولكنها لم تجرؤ يوماً على الحديث معه، ولم يكن هو يملك من الجرأة ما يكفي ليتقرب إليها .
بين نظرة خجلى واختفاءٍ، كان الحب يزهو في العيون ويذبل على الشفاه .
لكن الريح لا تهدأ في أرض النشامى الشجعان.
وذات مساء تقدم ابن المختار لخطبة حلا، فهزت السنديانة أوراقها وكأنها تهمس: الحب لا يشترى .
رفضت الفتاة هذا الزواج ، فغضب والدها،
وقام بسجن قلبها في بيت بلا نوافذ .
فقررت الهرب، ليلة هروبها كانت السماء معبأة بنجوم خائفة .
فتسللت نحو السنديانة وفي يدها منديلاً مطرزاً أودعته تحت الجذع، كأنها تودع ظلها .
ومنذ ذلك اليوم لم يرها أحد بعد ذلك.
قيل أنها رحلت إلى الجنوب، وتنكرت بثوب بدوي، وعاشت تتنقل بين القبائل تحفظ الشعر وتروي المواويل .
وقيل أن الراعي الذي أحبته مات شاباً وهو يردد الأشعار ويغني لها تحت السنديانة .
ومنذ ذلك الحين، كل من يجلس هناك في المساء، يسمع صوتاً خافتاً يغني:
يا راعي الهدلة ..
خبي الحنين ..
تحت السنديانة ..
فاضت دموع العين ..
ولا زالت الناس تتناول تلك الحكاية كرمز للحب الذي لا يموت .
ولكن ها قد مات الحب وغابت الوجوه ، ولكن ما زالت آثاره باقية .
الكاتبة
إكرام التميمي.
1/6/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق