حوار مع نفسي – بعد خمسة وستين عامًا
كفكف دموعَك يا فؤادي وارتقِ
فالنورُ يولدُ من لهيبِ المُحرِقِ
ناديتُ نفسي حين أظلمَ موضعي
ما بالُ دربكِ مظلمٌ لم يُبرِقِ؟
قد كنتِ شمسًا في الطفولةِ نازفًا
واليومَ صِرْتِ كغيمةٍ لم تُطرِقِ
كم ضاعَ حلمٌ في يديكِ، وكم مضى
منكِ الرجاءُ كموعدٍ لم يُصدَقِ
يا نفسُ، كم خنتِ العهودَ، وكم سَرتْ
خطواتُكِ الولهى إلى المُتَشَقِّقِ
لكنْ، أعاتبُ لا أُهينُكِ، إنّما
أدعو لأوبتكِ بدربٍ أصدقِ
يا نفسُ، إني قد بلغتُ من الدُّنا
خمسًا وستينَ اشتكَيْنَ المُرفِقِ
ما عدتُ أعبأُ بالنجومِ إذا غَفَتْ
إنِّي رضيتُ ببسمةِ المُتَعَبِقِ
ما بينَ وهمٍ قد خَدعْتِ به المُنى،
وحقيقةٍ مَرَّتْ كسيفٍ مُشرِقِ
كم صاحبٍ واريتُ تحتَ ترابِهِ
ووددتُ لو أبقى له في المِرفَقِ
وكم انكسرتُ، ولكنّي وقفتُ
بجراحِ قلبي لا أُريكِ تقلُّقي
يا نفسُ، كم ذقتِ المهانةَ واقفةً
والشوقُ فيكِ كجمرةٍ في المخنقِ
شكراً لصبركِ حين ضاقت لحظةٌ
واشتدَّ فيها جورُ سهمِ المُطبِقِ
شكراً لصوتكِ حين همسَ: "تجلّدي،
ما فاتَ يحملهُ جلالُ المُعتقِ"
فإذا سَكَتُّ، فإن صمتي عِبرةٌ
تبكي الليالي في مآقٍ أحرُقِ
وإذا ضحكتُ، فليس يُنكرُ وجعي
إلّا الوقوفُ بكِ على المُتلَقِّي
عودي، فبابُ النورِ ما زال ارتِقاً
وعلى الطريقِ شذى الرجاءِ المُشتَكِي.
(بحر الكامل – قافية القاف)
الشاعر
مصطفى رجب
3/5/2025